الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية بقلم المنصف بن مراد: الإرهاب والـمبدعون

نشر في  30 مارس 2016  (10:58)

كل شعبنا ـ وباستثناء الشواذ ـ على يقين من انّ الأمن والجيش والحرس هم الدرع الصامد أمام الارهاب، فهم ـ وفي كل لحظة ـ يجابهون عدوا جعل الموت والخراب عقيدة وهدفا..
فلولا شجاعة حماة تونس وبسالتهم وتضحياتهم، لتزعزعت بلادنا اثر ضربات الارهاب وداعش.. وسيشهد التاريخ انّ في «الخضراء» ستقبر أحلام داعش وحلفائها،  والفضل كل الفضل في ذلك لأمنيّيها وجنودها الأبطال.. انّ مقبرة داعش ورغم كل الضربات الجبانة الخسيسة ـ وما خلفت من شهداء ـ ستكون أرض عليسة والكاهنة وأبي القاسم الشابي وفرحات حشاد..

ومع هذا هناك سور آخر لا يمكن للظلاميين والدواعش والارهابيين اختراقه أبدا، ويتمثل في المبدعين الذين رفضوا الاستسلام امام ضغوطات الترويكا وثابروا في أعمالهم النابذة للمشروع الظلامي الوهابي الذي حاول ـ باسم العقيدة المتحجّرة العمياء ـ اركاع الفكر الحرّ.. رأيناهم في كلّ المظاهرات.. رأيناهم أمام المسرح البلدي بالعاصمة.. رأيناهم  في كل المدن.. كلمتهم مرفوعة مشهورة  كالسيف وابداعاتهم متواصلة وكلها رافضة للظلمات التي تحاول اكتساح سماء تونس.. كانوا حصنا حصينا ومازالوا رغم ان حكام تونس ـ وقتئذ ـ  والذين قضوا عقودا في الخارج كانوا يجهلون هويّات مثقفي هذه البلد الشامخ.. لقد ساهم المبدعون بكتاباتهم وأفلامهم ومسرحياتهم وشعرهم وموسيقاهم ولوحاتهم في بث الوعي والثقة في نفوس ابناء الشعب حتى في الفترات العصيبة الحالكة.. فلولا الفنانون والمبدعون لاستقرّ اليأس في القلوب ولأصبحت تونس امارة تحكمها داعش وأنصار الشريعة أو أحد مشتقّاتها..

اكتب هذه الكلمات بمناسبة معرض الكتاب والأيّام المسرحية والاحتفاء بذكرى رحيل المسرحي الفذ عز الدين قنون، وكل هذه التظاهرات تؤكد ان جيوشا مجيشة من الارهابيين لن تقدر على غزو هذه البلاد أو اشاعة الخوف في نفوس شعبها، وفي المقابل فانّه دون مبدعين  ستصبح بلادنا «مملكة الدم والعقيدة العمياء»..
واليوم وتونس ـ رغم الخيانات ـ تحارب داعش،  على الحكومة ان تزيد في دعمها للثّقافة، مع العلم انّ الثقافة ليست حفلا في مسرح قرطاج أو سهرة موسيقية في المسرح الرّوماني بالجم بل هي أغلب المنتوجات الجمالية التي تزرع في الانسان الأمل والحرية والتصدّي للوحشيّة.. الثقافة هي المطر الذي يمنع بذور الارهاب من الإزهار على أرضنا.. انها السلاح الفتاك الذي يجتث اليأس من أعماقه، وهو المنارة التي تهدي الى آفاق الحبّ والجمال والحياة..
انّ الفنّان ليس مهرّجا او مجنونا او متشرّدا او غريب الحي او المدينة بل هو قلب الشعب ونبض أحلامه وقطب التاريخ.. فمن يتذكّر اسم الملك الذي كان يحكم فرنسا عندما كان موليار ينتج مسرحيّاته؟ من يتذكر اسم حاكم تونس عندما كان ابن خلدون يدوّن مقدّمته رائدة علم الاجتماع؟ومن يتذكّر اسم الوزير الأول عندما كان ابو القاسم الشابي يكتب «أغاني الحياة»؟.. انّ الانسانيّة لا تتذكر بعد عقود أو قرون أسماء السياسيين بل أسماء المبدعين والعلماء الذين أثروا ـ بشكل أو بآخر ـ  حياة الشعوب..
في حقيقة الأمر ان وزارة الثقافة والمحافظة على التراث هي «وزارة الدّفاع عن الفكر الحرّ».. أمّا ونحن في حرب مع الارهاب وبلادنا مهدّدة بالمؤامرات الظلامية العقائديّة، فمن  الواجب تقديم الدّعم أكثر للثقافة لأنّ الابداع هو أيضا سلاح ضد العنف وثقافة الموت، فهو يشحن العزائم عندما تدوي الأسلحة.

أنّ تخصيص 0،78 ٪ من ميزانية الدولة لوزارة الثقافة غير كاف، وفضلا عن ذلك فانّ بلادنا بحاجة الى ندوة ثقافيّة وطنيّة تشمل أبرز المبدعين وتحدّد الأهداف وتقدّر التمويلات وتضع استراتيجية تساهم في عزل دعاة ثقافة الجفاف الذين يحاولون فسخ ذاكرة شعبنا واستلاب مستقبله.
انّ الفنّ هو الحياة التي تتكلم عندما يهدّد الأمل وتخرس الألسن.. انّ اليأس لن يدخل قلوب التونسيين ما دام الأمنيون والجنود والحرس يحاربون في الخطوط الأمامية، والفنّانون والمبدعون يطلقون نيران الموسيقى والرسوم والكلمات والألوان ضد «غول الارهاب» المجنون الأحمق المكلوب..